لا شك أن العالم يواجه اليوم ظاهرة وبائية يشوبها الكثير من الغموض طالما لم يقع الكشف عن مصدرها الحقيقي إن كان طبيعيا أم مصطنعا، أو كان جزءا من حرب بيولوجية تدور رحاها بين أقطاب الدول الكبرى، لاسيما بعد ورود أنباء عن اكتشاف سلالة جديدة من الوباء في كل من بريطانيا وجنوب أفريقيا وُصفت بكونها أكثر قدرة على التفشي والتغيّر بنسبة تصل حسب تقديرات الخبراء إلى حدود (70 %) من سرعة الفصيل السابق للوباء…لكن في ظل هذه الظروف التي تعاني منها البشرية انعكاسات انتشار هذا الوباء اقتصاديا واجتماعيا وحتى نفسيا، كان من المفترض أن تتوحد الجهود العلمية بين مختلف الدول لإيجاد لقاح فعّال للقضاء على الجائحة، ويكون آمنا من بروز أعراض ومخلفات جانبية في استعماله.لكن الواقع يكشف أن الدول الرأسمالية الغربية أصبحت تتسابق وتتنافس بشكل محموم من أجل تحقيق سبق تجاري في إنتاج التلاقيح، واستغلال ذلك في إنجاز مكاسب اقتصادية لشركاته العملاقة، وأخرى سياسية لحكوماته.وهكذا ينكشف من جديد الوجه القبيح للنظام الرأسمالي الغربي، ويسقط القناع الذي يتخفّى وراءه هذا النظام المجرم لكي يستمر في ممارساته لاستغلال الشعوب الضعيفة في العالم، واستثمار المآسي الإنسانية والكوارث الطبيعية، وذلك من أجل المنفعة والتربّح. فهو تحت غطاء الديمقراطية الكاذبة يواصل النهب المُمنهج لخيرات هذه الشعوب ومواردها، واستنزاف ثرواتها الطبيعية لمصلحة الحكومات الغربية والشركات المتعددة الجنسيات.إن هذه السياسات الرأسمالية القذرة تتواصل على نفس الوتيرة في قضية اللقاحات التي باتت تشكل ميدانا جديدا للتربّح، ليصبح الأمر أشبه بتجارة كبرى تستهدف السكان الضعفاء باعتبارهم « السلع الأكثر قيمة في العالم » وذلك على حساب حاجة المرضى للعلاج والرعاية الصحية.وهكذا حال منظومة الرأسمالية الديمقراطية المجرمة التي أفسدت جميع القيم الإنسانية وأخضعتها إلى مقياسها في المنفعة والربح والاستغلال، فلا قيمة للفقير ولا الضعيف ولا المريض، ولا شيء يعلو فوق المنفعة. وفي مقابل ذلك يحرص هذا النظام الرأسمالي على الترويج لحريات الفجور والفواحش تحت شعار « تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان »، وينشر الفساد في البر والبحر.إن هذه الحضارة الغربية التي تتحكم في العالم اليوم قد سببت الشقاء الذي يتقلب العالم على أشواكه, ويصطلي بناره, وهو أمر ما كان أن يستمر أبدا إلا بحبال من الوهم والترهيب، لكن إلى حين، « قد جعل الله لكل شيء قدرا » (الآية). فالإنسانية قد اكتوت بنار جحيمها بما فيه الكفاية في ظل ما عرفته من حروب وصراعات وكوارث بشكل أصبحت معه البشرية أمام حقيقة الواقع الكارثي الذي صنعته الرأسمالية وذلك بتواطؤ من وسائل إعلام خبيثة ونخب سياسية فاسدة.إن المنظومة الرأسمالية الجشعة والعفنة لم تفرز سوى الظلم والفساد والاستعمار ونهب الثروات والفقر والتهميش والإرهاب وأخيرا الأوبئة، والقادم أسوأ إن لم نقطع مع هذا النظام المجرم ونطرده من ديارنا حتى نعيدها من جديد تنعم بحياة إسلامية كريمة، وفي ظل رعاية دولة الحق والعدل والتحرر، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بشّر بها سيّد الأوّلين والآخرين، وهو الذي لا ينطق إلا صدقا ولا يقول إلا حقا. فالسلام على من اتبع الهدى الذي جاء به، وحمل الدعوة إلى المنهج الذي ارتضاه لأمته./.
الأستاذة شيـــــــــــــــراز الحرابـــــــــــــي المحاميـة بتونــــسعضوة بالاتحاد الإسلامي الدولي للمحامين